تراث وأصالة
تستمدّ الأمم هويتها من تراثها الساري في أعماق أبنائها، وأصالتها المتجذرة في قلب التاريخ... ولدولة الإمارات العربية المتحدة تراث عريق له العديد من الأشكال والصور، يظهر هذا التراث في العادات والتقاليد التي يتوارثها الأبناء جيلاً بعد جيل، ويتناقلها الخلف عن السلف بحرص واعتزاز، ارتكزت هذه العادات على الأخلاق الإسلامية العظيمة، والأعراف العربية الأصيلة... من العادات والتقاليد ما يتصل بأسلوبهم في الأعياد والزواج والمناسبات الدينية والوطنية، والزيارات والضيافة ، والملبس والعلاقات الأسرية وقضاء وقت الفراغ.
الأعياد والمناسبات
إنها مناسبات مفرحة تعمّ البلاد بأسرها؛ فيها تظهر الأخلاق الفاضلة والممارسات الخيّرة؛ الغني يهتمّ بالفقير، والكبير يحنو على الصغير، ويجتمع الأهل والأقارب والجيران يتقاسمون الفرحة ويتبادلون التهاني وزينات العيد، ويتبادلون أيضًا الأطعمة والهدايا. وأهم ما يميز العيد الفرحة التي تزدان بها نفوس المُهنئين، نتيجة اهتمامهم بالعلاقات الاجتماعيّة والروابط الأُسريّة بين الأفراد والأُسَر والمجتمع بأكمله.
يفرح الأطفال بقدوم العيد وبالعيدية، ويجهزون ملابسهم الجديدة منذ الليل، وفي الصباح الباكر يذهبون لتأدية صلاة العيد مع آبائهم، ثم يعودون بعد الصلاة ليطوفوا ببيوت الحي؛ ويجمعوا العيدية من الأقارب، ثم يتجهون إلى ساحة العيد يلعبون ويشترون الحلويات والبيض الملون، ويلعبون بالمراجيح التي تُنصب يوم العيد.. وكانت البنات يخرجنّ لتحصيل العيدية من أعمامهنّ وأخوالهنّ.أهازيج العيد
من الأناشيد والأهازيج الشعبية التي يرددها الأطفال وهم يلهون:
"أمي يامي يامايه راعي البحر ماباه
أبا وليد عمـي بخنجره وارداه
قابض خطام الصفرا وملوِّح بعصاه" [1]
يصلي أهل الإمارات صلاة العيد في الأماكن المفتوحة... ثم يعودون إلى منازلهم؛ لاستقبال المهنئين.
في الصباح يتزاور الأهل والأقارب والجيران في الحيّ الواحد، وتبدأ زيارة الأقارب والأرحام بعد الظهر إذا كانوا يقيمون بعيداً أو في أماكن أو مدن أخرى.
طقوس العيد
العيد فرحة للكبار والصغار معًا فكما يستعدّ الصغار يستعدّ الكبار أيضًا؛ حيث كان الرجل قديمًا " يبدأ في إعداد ملابسه قبل العيد بفترة طويلة، وعلى الطريقة القديمة؛ فيصبغها إن كان لا يوجد عنده ملابس جديدة، فكانت الملابس تُصبغ بالورس( نوع من النباتات) حيث يدق مع الزعفران والجوز والهيل ويوضع الخليط على النار مع قليل من الزيت، ثم توضع الثياب في إناء، ويُصب عليها خليط الأصباغ؛ فتصبح جديدة ". [2]
عندما يحين وقت الغذاء يجتمع الأهل والجيران في منزل أكبرهم سنًا في الحارة أو المنطقة لتناول الغذاء في منزله، الرجال في مكان، والنساء في مكان آخر.
تقام منتديات اللقاء والتجمع طيلة أيام العيد في أطراف الحي؛ حيث يلتقي الجميع في ألعاب جماعية للتسلية وإدخال الفرحة على الأولاد.
من من الألعاب التي كانت تمارس في الأعياد والاحتفالات .. ( العيالة وركوب الخيل واللعب بالسيوف ).
النساء والعيد
وكانت النساء في الإمارات يبدأن الاستعداد لعيد الفطر المبارك منذ شهر شعبان؛ فيجهزن مؤونة شهر رمضان، ويحضرن المواد الغذائيّة التي تُستخدم للعيد؛ ففرحة العيد لا تكتمل إلّا إذا قامت النساء في الإمارات بإعداد الأكلات الشعبيه الخاصة أهمها : الهريس ، الثريد، البلاليط، العصيد....
" وقبل حلول العيد كانت النساء يبدأن بتنظيف البيت، ويجتمعنّ لتفصيل ملابس العيد بشكل جماعي، كما كانت نساء الإمارات يقطفنّ أوراق الحنّاء قبل شهر أو شهرين من قدوم العيد؛ ليتمّ تجفيف تلك الأوراق ثم سحقها ونخلها وتبقى حتى ما قبل العيد بأسبوع، حيث تُعجن الحنّاء بمغلي الليمون المُجفف، لكي تتم عملية النقش على كفي اليدين، ويُعاد عليها على مدى يومين؛ حتى تصبح ذات لون أحمر قان.
أمّا العطور فكانت هناك امرأة مختصّة بخلط العطور وصنع أقراص البخور، وكانت الكثيرات من النساء يلجأن لفعل ذلك بأنفُسهنّ.... ومن العادات الجميلة والحميدة بين أبناء الدولة أنّ العيد لا يأتي وهناك متخاصمان اثنان أو من ذوي القربى إلاّ وتصالحا، وتتمّ المصافحة وتبادل التهنئة عقب صلاة العيد" .'' [3]
تحرص النساء في العيد على لبس الملابس الشعبية المتمثلة في: ( الكندورة المخورة والصروال والشيلة ) ويضعن على شعورهن الكثير من العطور الخاصة، ويجدلن شعورهنّ بما يسمى ( العكفة أو العقوص ).
الأضحية
" ولعيد الأضحى احتفالات خاصة؛ حيث يقوم الناس فيه بشراء اللحم بجماعات تتآلف، وتقوم بالغناء في يوم
( المشوي ) ويقومون بتتبيل اللحم ( بالخل ) ، ومع نوع من البهارات يحتوي على الفلفل والزعفران والهيل والبزار والقرفة والتمر؛ حتى يعطي نكهة خاصة للأكل .
وكان الرجال يرددون عند إخراج ( الوخيفة ) أي الذبائح
( طلع يطرّب ويهه مغرّب)
أو ( عيد العود شايبهم كله من قرايبهم )
وكان الأطفال يرددون أغاني، ومنها:
" باكر العيد بنذبح لبقرة وبنعشي خماس طويل المنخره" [4] الفقراء ينالون نصيبهم من ذلك الخير؛ فلا يوجد رجل يرضى على نفسه أن يذبح ذبيحة ويأكل دون أن يُطعِم جاره خاصة في شهر رمضان والعيدين الفطر والأضحى.
الزواج في الإمارات
من العادات والتقاليد الموروثة في العالم العربي والمنطقة الخليجية مراسيم الزواج ؛ فهي وإن اختلفت في بعض التفاصيل إلّا أنّها في النهاية تمثّل نمطًا عامًا عند الجميع. الإمارات العربية المتحدة جزء من تركيبة المجتمع العربي، وعاداتها في الزواجمستمدة من تعليمات الدين الإسلامي السمحة، والأخلاق العربية الأصيلة، فحين يعزم الشاب على الزواج فإنه يتخيّر فتاة ذات دين وخلق، ويتحرّى أن يناسب أسرة كريمة تحظى بسمعة طيبة وأصل نبيل، ومكانة اجتماعية لائقة.
كان الإماراتيون قديمًا يحرصون على مصاهرة الأقارب؛ لقناعتهم بأنّ ذلك يزيد في الترابط الأسري والتلاحم العائلي، وعندها لم يكونوا بحاجة إلى خاطبة أو رسول يساعدهم في البحث عن العروس المنشودة.
في حالة الاستعانة بالخاطبة كانت تقوم بدورها خير قيام؛ حيث تزور بيت الفتاة وتشاهدها على حين غفلة من أهلها؛ فتقاليد المجتمع لم تكن تسمح بالمجاهرة في هذا الأمر، وعند عودتها إلى أهل العريس تكون أمينة في نقل ما شاهدته عند العروس وأهلها.
يتفق أهل العروسين بعد ذلك على المهر ، ويتحمّل العريس مسؤولية تأثيث منزل الزوجية وتكاليف العرس كلّها( المهر- الزهبة – حفل الزواج – الولائم ......)
- للمزيد: انظر، الحياة الاجتماعية الزواج
المناسبات الدينية
شهر رمضان المبارك
اتخذ أهل الإمارات من المناسبات الدينية مظهرًا اجتماعيًّا إيجابيًّا يدل على التماسك والتكافل الاجتماعي، وكان الموسرون من التجار يستعدّون لشهر رمضان في منتصف شهر شعبان؛ فيجلبون حب البُر الذي يصنع منه ( الهريس ) وهي الأكلة الرمضانية المفضلة في المجتمع الإماراتي ، فينقّى ثم يدق بالهاون الخشبيّ الكبير استعدادًا لطبخه يوميًّا في أفران أرضيّة خاصة.
بدخول شهر رمضان المبارك تتغير الحياة العادية للناس ؛ فقبل أن يؤذَّن للمغرب تفرش الشوارع أمام البيوت أو في ساحات المساجد ويشارك الناس جميعهم في إحضار العديد من أصناف الأطعمة والحلويات، فيجتمع عليها رجال الحي، والغريب عن أهله، ومن انقطعت به السبل، وكلّ من يمر في ذلك الطريق يثق تمامًا أنّه سيجد إفطاره دون دعوة؛ فالدعوة عامة ولا حرج.
يستمر هذا الكرم والتآلف طوال شهر رمضان المبارك ، وتعمر المساجد بالمصلين في صلاة التراويح ، ويتسابق الأهالي المحيطون بالمسجد فيرسلون الأطعمة والمياه إلى المصلين.
من العادات الرمضانية الأصيلة تبادل وجبات الإفطار بين البيوت قبيل أذان المغرب، وخروج النساء لأداء صلاة
كانت بعض البيوت الإماراتية تحرص على تنظيم مجالس ليلية للذكر طوال شهر رمضانالمبارك، وتقام تلك المجالس عادة فوق أسطح المباني .
ولم يقتصر هذا الأمر على مجالس الرجال وحدها، بل كانت بعض النساء يجتمعن لسماع تلاوة القرآن الكريم ورواية الحديث الشريف داخل بيوتهن.
ليلة النصف من شعبان:
تُقدَّم للأطفال في النصف من شعبان هدايا تسمّى: ( حقّ الليلة )، وكان الناس في هذا اليوم يتصدّقون بالعيش
قديمًا " كان الأطفال يضعون ما يحصلون عليه من الأهل والجيران في (الخريطة) وهو كيس من القماش، يعلقونه على عواتقهم، ويتنقلون به من بيت إلى آخر" [5]
بعض الأسر يجتمع فيها أهل المنزل بعد المغرب ويقرؤون ( سورة يس ) ، ويدعون بعدها بدعاء ليلة النصف من شعبان..
" يسير الأطفال في الفريج ويطوفون على البيوت وهم يغنون:
أعطونا الله يعطيكم أعطونا مال الله
بيت مكة يوديكم سلّم لكم عبدالله" [6]
عودة الحجاج أو الغواصين:
تشكل عودة الغائبين الحجاج أو الغواصين مظهرًا اجتماعيًّا دالًا على المحبّة والتماسك الاجتماعيّ؛ وقد كان الناس يعبّرون عن احتفائهم بعودة الغائب برفع "قطعة قماش فوق بيوتهم، ويسمونها : " النشرة" ، أو " البيرق " ، أو " البنديرة "، وهي كالعلم في زماننا الحاضر". [7]
ختم حفظ القرآن الكريم:
كان الأطفال يستعدّون لهذا الاحتفال البهيج بارتداء أجمل الثياب، وتتزيّن الفتيات بحلي أمهاتهنّ، وتستعير الفقيرات منهنّ حلي الجارات الموسرات، ويخضبنّ أيديهنّ بالحناء، ويتعطرن بماء الزعفران.
ويلبس الأولاد ثيابًا بيضاء نظيفة، ويعصبون رؤوسهم بالشالات أو الغتر، ويعلقون في أخصرتهم خناجر ذهبية أو فضيّة منقوشة.
تفتح البيوت أبوابها لاستقبال موكب المطوع والأطفال، ويجودون عليهم بالعطايا كلّ قدر استطاعته، وقد يستمرّ طواف هذا الموكب بالبيوت ثلاثة أيام أو أكثر.
عادات الزيارة والضيافة:
لا يختلف اثنان على أنّ الكرم إحدى السمات الاجتماعية في دولة الإمارات العربية المتحدّة قديمًا وحديثًا، وما يدور في الزيارات بين الأهل والأقارب والجيران والمعارف خير دليل على هذا الكرم ، فالناس يتزاورون في الأفراح والأتراح، وعبّرت زياراتهم عن الترابط والتكاتف بين أفراد المجتمع كلّه، فحسن الضيافة والبشاشة والتواضع والتراحم يتجلى في الزيارات بصورة كبيرة.
انقسمت الزيارات في المجتمع الإماراتي إلى قسمين:
القسم الأول: زيارةالأهل والأقارب والأصدقاء والمعارف والجيران وتكون زيارات اعتيادية مألوفة في أي وقت من أوقات الصباح أو المساء.
القسم الثاني: زيارة " الخُطّار " وهم الزوار من خارج البلدة ، " والخاطر " يأتي إلى ضيفه عن طريق البرّ بوسائل النقل المعروفة آنذاك، فإذا وصل (الخاطر) إلى مضيفه نزل عن مطيّته وترجّل؛ لأنّهم يعتبرون امتطاء الضيوف لمطاياهم داخل أحياء القرية أو البادية يسيء للمقيمين، ويوحي بعدم تقدير أبناء القبيلة.
لا يُتّبع هذا العرف إذا كان الضيف من أشراف القوم، وله منزلته الرفيعة، أو تمت الزيارة بدعوة كريمة من أهل القبيلة؛ حيث " يخرج أهل الحيّ أو القرية لاستقبال الضيوف، وإذا كان طريق الضيوف بحرًا، فحينما تقارب السفينة مرسى السفن فإنّها ترفع علم البلد التي جاءت منها إشارة إلى البلد المقصود وإظهارًا للبهجة والسرور" [8]
كلُّ هذا بابتسامة تملأ الوجه، وعبارات ترحيب تشعر الزائر بفرحة المضيف بقدومه، بل بالشكر الجزيل على القيام بالزيارة.
إذا كان الضيوف من خارج البلدة يقوم المضيف والأهل والجيران باستقبالهم، ويسألونهم عن رحلتهم وأهلهم وأحوالهم.
ويقدمون لهم الطعام وأهمّه: الذبيحة، وقد تكون عدة ذبائح حسب عدد الضيوف ومكانتهم الاجتماعية أو العلمية أو السياسية....إذا كان الضيف ذا مكانة مرموقة يستخدم المضيف " طريقة ( الفوقة ) في الطبخ، وهي طريقة خاصة تقوم على طهي اللحم حتى ينضج، وبعد ذلك يطبخ الأرز( العيش) ، فإذا نضج يوضع مع اللحم بحيث يكون اللحم فوق( العيش)، ويوضع فوقه رأس الذبيحة، أمّا المرق فيوضع في وعاء آخر " [9] .
كرم الضيافة الإماراتية ما زال قائمًا وإن تغيرت بعض تفصيلاته، فالضيف اليوم يستقبل برش العطور وإطلاق البخور؛ مما يضفي على اللقاء البهجة والسرور والذكريات العطرة.
المراجع
1. محمّد رجب السامرّائي، رمضـان والعيـد ،عـادات وتقاليـد ، ص31
2. موزة عبيد غباش ، دراسات في التراث الشعبي لمجتمع الإمارات ص45
3. منتديات محمد بن زايد آل نهيان.
4. موزة عبيد غباش ، دراسات في التراث الشعبي لمجتمع الإمارات ص45
5. سلمى محمد القريشي، حديث الذكريات سيرة إبراهيم محمد صالح العوضي، ص93
6. محمّد رجب السامرّائي، رمضـان والعيـد ،عـادات وتقاليـد ، ص26
7. سالم راشد بن تريس القمزي، مجتمع الإمارات بين الماضي والحاضر، ص 34
8. منى عزت حامد عبد العزيز ، جماليات التراث الشعبي لملابس النساء بدولة الإمارات العربية المتحدة، ص 47
9. منى عزت حامد عبد العزيز ، جماليات التراث الشعبي لملابس النساء بدولة الإمارات العربية المتحدة، ص 48